الخميس، 2 يوليو 2009

أنا أتغير ... إذاً أنا موجود

الإنسان في خلقه وطباعه كائن ملول لا يحب الرتابة والخمول. الروتين قاتل له، والجديد من الأشياء والأحوال والعلوم والأفكار محفز لذاته التوّاقة لكل جديد .
لديه فضول للمعرفة وشغف بالحديث والتطور، وحماس مشرئب لكل جميل زاهٍ وفكر راقٍ.

وإذا قسنا ذلك بناء على معرفتنا بهذا المخلوق العجيب، والذي وضع الله فيه سر هذا الكون وحمّله مسؤوليته، وطالبه أن يعمل لبنائه وإعماره بكل خير له وللغير من غير قيد أو شرط .

فخالقه أعلم كيف يسعد وكيف ينجح وكيف يتميز.
وله أن يقبل فيفوز أو يعرض فيشقى !!

كل شيء يتحرك داخل جسمه بفعالية والتزام وقوة ووئام، الخلايا مهما صغرت، والأعضاء مهما كبرت، والدم يجري في العروق بلا توقف أو ملل أو كلل .
كل هذا الجريان من ملايين الخلايا داخل الصندوق تجبر الإنسان أن يكون إلاّ كذلك، متحركاً متجدداً كالنهر الجاري ماؤه عذب زلال، ومنظره يسرّ كل الأحوال.

إنها حكمة من لا يغفل ولا ينام، جعل التدفق عنواناً للحياة والحماس، وقوداً للإنجاز والطموح، إكسيراً للتفوّق والإبداع، والأنفس المتجددة هي التي تصل وتحصل، والأنفس الخائرة الضعيفة المتهاوية هي التي تسقط من أول امتحان، وتحصل على مرتبة الشرف، ولكن من الأسفل الموغل في الانحطاط، صدرت من القاع ووقع عليها الفشل، وصدقها الخمول والكسل بأحرف من ظلام، وحبر من تخاذل !!

و الروح المشرقة هي الروح المتجددة المتألقة المتطلعة للمعالي والقمم مهما كانت الصعاب والتحديات؛ فالدنيا لم تصفُ لسيد الخلق وإخوته الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فلقد كابدوا وناضلوا كثيراً من أجل خير البشرية وصالح المخلوقات، ومع هذا لم تُبسط لهم الدنيا، ويُمكّنوا في الأرض إلاّ بعد يُتم وفقر وحرمان ومعاناة .

فكيف بها تصفو لنا ونحن الضعفاء بأنفسنا والأقوياء بأيماننا، ونُمكّن في الأرض بغير ابتلاء وصبر وعمل و خبر و ورؤيا لحاضر جميل وغد مزدهر.

ومع ذلك وذاك واثق الخطوة يمشي ملكاً، فما بال من وثق بالله ثم بنفسه وقال: أنا هنا ومن هنا سوف يكون التحول الكبير والتغير الأصيل في النفس والفكر والجسد.

صفاء ذهني يعبر بنا إلى طمأنينة روحية ونقاء وجداني نحصد به توازناً عاطفياً وإنجازاً عملياً ينعكس على حياتنا وبيوتنا ومجتمعاتنا بالإيجاب .
فمن منا لم يحدث نفسه بمشروع تجاري أو فكري أو علمي أو اجتماعي أو سياسي يعبر فيه أو من خلاله عن فكره الإبداعي ومساهمته الفعّالة في المجتمع
يبسط على هذه البسيطة كل خير ونور وكل فلاح وحبور؟!

من منا لم يحلم ذات يوم بأنه جهبذ الجهابذة وأستاذ الأساتذة في علم من العلوم، أو فن من الفنون، أو باب خير، أو بر أو إصلاح أو إعمار في الأرض ؟!

وإذا علمنا إن العقل البشري يعمل طوال (24) ساعة في اليوم بشكل متواصل، بشقيه الباطن والظاهر، بتناوب رهيب في الأدوار والمهام، يولد الأفكار بغزارة، ويحلل الآراء والأحداث والأخبار بمهارة، وينقل العالم كله بتطوراته وتحركاته وتموجاته إلى هذه الجمجمة الذهبية بإشارة !!

ينتهي دوره المحوري بما يغير الأمم والشعوب، وينقل الصغير والكبير و الرئيس والمرؤوس والرجل والمرأة والغني والفقير والعالم والجاهل، من حال إلى حال، إما إلى قمة في الرقي أو قاع في الانحلال !!

"إنه القرار الفعّال"
ويبقى هنا التنفيذ هو دور الجوارح والحواس وأعضاء الجسم التي يديرها العقل بإعجاز ربانيّ إلهي لا يضاهيه إعجاز، فسبحان المصور:
خلق فأعجز وأعطى فأوجز
الكل في ملكوته سابح

وطلباً لرضائه طامح
وإذا آمنا أن قدرات الناس من حيث توليد الأفكار، وتحليل المواقف، واتخاذ القرارت، وتنفيذ ما اتخذوه من قرارات متقاربه حيث خلقهم خالقهم العادل .

فيبقى هنا سؤال كبير وخطير: لماذا الناجحون في الحياة، والسعداء على هذا الكوكب، والذين حققوا فعلاً طموحاتهم وأحلامهم، ووضعوا بصمتهم الذهبية على جدار الزمن هم فقط 3% من إجمالي الناس كما تؤكد الدراسات؟ !!
هل يُعقل أن يرحل أكثر من 97% من الناس وهم يكتبون إما مشاريعهم في الحياة لوحة كبيرة سطروا عليها ببؤس كبير:

"الحلم الذي ظل حلمًا"

إنها الفروقات الفردية بين الناس في الهمة والالتزام واحترام الوقت والنظام، والإقبال على تطوير الذات، واكتساب الحديث من العلوم والمعارف، والسعي الحثيث للرقي والتطوير والتقدم في التفكير وتحمل المسؤولية، والإحساس بها في الكل قبل الجزء عند الصغير قبل الكبير.

وكتابة الخطة وصياغة الأهداف ووضع الرؤية وتطبيق كل ما تقدم بحرص ودقة

قال تعالى وهو يخاطب عباده بأن الأمر لهم والخيار خيارهم:

(لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر).

نضيف إليها كمسلمين النية الصادقة والتوكل على الحي الدائم وتقواه .

لقد ألقى هؤلاء المميزون حول العالم الروتين جانباً، والجمود والتراخي والاستسلام والعشوائية في الحياة في سلة المهملات، وتوكلوا على خالقهم،

ولم يرفعوا العلم الأبيض من أول معركة حياتية، وآمنوا أن النجاح في الحياة نجاح إستراتيجي، وليس آنياً قصير الأجل، وأن خسارة معركة لا تعني بالضرورة خسارة الحرب الكبرى .

فالحياة صراع يحتاج إلى الحاذق الماهر والذكي القادر والمقدام الآمر، فأين أنت من هؤلاء؟
إنها ليست خلطة سرية أو مفاعلاً نووياً كُتب على بابه ممنوع الاقتراب أو التصوير!!
إنها همة توصل إلى القمة وعزيمة على التغير والتطوير تهب صاحبها العصا السحرية لكي يحقق كل ما يدور في مخيلته من إبداع وتفوق.

يُروى أن الإمام البخاري -رحمه الله- عندما كان شاباً يافعاً في الرابعة عشرة من عمره أراد أن يحمل هم الأمة، ويسخر طاقته لخدمة الإسلام والمسلمين ويطلق طاقته الكامنة بين أضلاعه.

تأمّل كثيراً وفكّر ملياً: كيف وأين ومتى وماذا أصنع؟
وبينما هو جالس في المسجد مع أساتذته العلماء سمع أحدهم يقول للآخر:
إن الأحاديث كثيرة وهي مفرقة بين الكتب بلا تصنيف أو تصحيح
متى يأتي من يقوم بذلك العمل؟
استوقف الإمام البخاري هذا الكلام الكبير من شيوخه وجاءت لحظة الحسم التي ينتظرها منذ زمن وبلا تردد.
قال كلمته الشهيرة:
" فلمعت في رأسي فقلت: أنا لها، فعشت لها "
فكان أنشودة في زمنه وملحمة في عصره.
ألف أتقن الكتب وأصدقها بعد القرآن الكريم وهو صحيح البخاري.
وكان يسافر عبر المدن والقرى لأيام وشهور للتأكد من صحة حديث واحد فقط، وكان يفيق من نومه قرابة (12) مرة في اليوم والليلة لتدوين حديث أو فكرة أو أطروحة، ثم يعود وينام.
حمل هماً فصنع مجداً فغير واقع التاريخ من حوله, واليوم وبعد وفاته يدعو له أكثر من مليار وستمائة مليون مسلم في الشرق والغرب صباح مساء؛ فلقد نور وعبر وأبدع وصوّر فهنيئاً له ما جنى، وعند ربه له الخير الكثير، و الجزاء الوفير، لقاء صنيعه العظيم .

ومن هنا نتفق أن الله -جل في علاه- عادل معنا نحن البشر عدالة كاملة فى الرزق والتكوين والخلق والتمكين، وما تبقى إذاً هو الدور الذي يجب أن نلعبه نحن ونحن فقط ، فما لم نقدمه لأنفسنا لن يقدمه الآخرون لنا.

ولن ينفعنا إسقاط الفشل والسقوط الذريع لنا في الحياة على الآخرين، والظروف و الحظ؛ لأنه إسقاط في غير محله، أريد منه تبرئة النفس مما علق فيها من تقصير أدّى إلى تدمير!!

فعلينا بالمبادرة واتخاذ قرار التغير الإيجابي من الآن.
وعاهدوا أنفسكم دائما وأبدأ على ألاّ تلوموا إلاّ أنفسكم في حال عدم تحقيق المراد والمغزى، وألاّ تكرموا إلاّ أنفسكم في حال النجاح والانتصار؛ فهي محور الحركة، ومنطلق الإبداع، ومهد البطولات، فسبحان باريها!!

وابدأ رحلة الألف ميل بخطوة في الطريق الصحيح، وقدر قيمة النعمة التي تنعم بها الآن.
فالحياة نعمة، والحرية نعمة، والعقل نعمة
والتغير إلى الأفضل والأجمل والأكمل هو كذلك نعمة النعم.
فسعادتك قرار ونجاحك اختيار.
فماذا تختار؟
من محبرة الحكيم

" وتزعمُ أنك جرمٌ صغير.... وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ "

الكاتب : سلطان العثيم

هناك 3 تعليقات:

السامي ,,,, الوفاء ,,,, الاخلاص يقول...

شكرا خديجة...اختي
سعدت جدا بقراءة الموضوع
اتمنى لكي ان تصلي لدرجة الكمال
كل الاحترام والتقدير....

غالية عبدالله محمد يقول...

تحية طيبة وبعد ..

اشكر لك عزيزتى على هذه المدونة الثرية والقيمة

اختي خديجة ..
سعيده جدا بتواجدي بمدونتك الذي كان بالمصادفة سبحان الله
كنت ابحث عن صورة لكسر الروتين فوقعت على صورة الموضوع
الذي وضعتية
لاني موضوعي ايضا لهذا الاسبوع سيكون عن الروتين
سعدت جدا بتواجي في مدونتي
وننتظر كل جديد
ومميز
اختك غالية

ادعوك لزيارة مدونتي
ولك جزيل الشكر والتقدير

http://galya77.wordpress.com/

ahmed_k يقول...

طولتي الغياب
عساكي بخير حال
وان تعودي لمدونتك قريبا جدا بإذن الله